سيرة
ذ.عزيز
بنحدوش

لم أكبر في مكان واحد كما باقي الكائنات، فقد كان علي في

كل مرة اِجتِثاث الجذور و الأصول و الذكريات ثم الرحيل

بعيدا لكي أزرع في تربة جديدة لم أكن أتوقع حتى وجودها

على هذه الأرض.

الطفولة

كانت صرخة إستقبال الحياة في مراكش مدينة الجنوب؛ بعدها اكتشفت العالم و الكائنات في المغرب الشرقي؛ قصر السوق؛ مدينة الراشدية حاليا ثم تعلمت كيف تكون الطفولة على سفوح جبل العياشي في مدينة ميدلت حيث عرفت كيف أنحث حروفي الأولى في مدرسة البنين. سكنت الكثير من المدن لكن مدينة ميدلت سكنتني كما لم يفعل أي مكان آخر و أشجار الصفصاف علمتني الشموخ و الصمود.

كانت تلك المدينة نقطة الإنطلاق و إعلان لبداية سباق المسافات الطويلة التي ستدفعني إلى العبور من الأطلس المتوسط إلى الأطلس الكبير و بعدها أحط الرحال في الأطلس الصغير ثم أنجرف ككل الأودية لأصب في المحيط الأطلسي كما تفعل كل الأنهار.


ميدلت, مدينة القصور

الشيء الجميل في مدينة ميدلت أنها مليئة بقصور الفقراء؛ وقد كان لي الشرف العظيم أن أسكن بهذه القصور.

لم يكن أساسها من الإسمنت و الحديد ؛ لكنها قامت على التراب المجلوب من حقول الناس و غطت نفسها بالميت من أشجار الصفصاف. الأبواب عتيقة و أصيلة أصالة الناس هناك و الثلج الأبيض رداء كبرانس الأئمة الذين يصلون فعلا من أجل اللّٰه و الوطن.


مرحلة التعلم

لم أكبر في مكان واحد كما باقي الكائنات؛ فقد كان علي في كل مرة اِجتِثاث الجذور و الأصول و الذكريات ثم الرحيل بعيدا لكي أزرع في تربة جديدة لم أكن أتوقع حتى وجودها على هذه الأرض. علمني الفقيه ؛ بالضرب على اليدين؛ حفظ القرآن و ترديد أناشيد لم أفهمها إلى حد الآن "واحد زُوجْ و الملك يدخل فالزٌوجْ". بعدها انتقلت العائلة إلى مراكش. تشبث بمدينة ميدلت فقد كنت عنيدا و مشاغبا؛ إذ لم أقبل بالمغادرة فبقيت سنة أخرى هناك. درست في إعدادية العياشي بعدها كان من الضروري الإنتقال و الإلتحاق بالعائلة و متابعة الدراسة في ثانوية إبن تومرت. ثقافة جديدة و أناس مختلفون؛ رائحة الأشجار لم تكن كتلك التي هجرتها و تركتها قهرا في مدينة ميدلت. لم أندمج؛ إذ سرعان ما أنهيت دراستي الثانوية بعد حصولي على الباكلوريا؛ ليبدأ الترحال من جديد. إلى العاصمة؛ إلى الرباط. هناك توجد الفلسفة بالفعل و هناك سيصبح وجع الحياة ألذ و تسول معاني الكلمات أجمل. تعلمت التفكير على يد أساتذة كبار:

طه عبد الرحمان/ سالم يفوت/ كمال عبد اللطيف/ محمد سبيلا/ محمد الواقدي/ محمد جسوس/ سعيد بن سعيد/ ادريس بن سعيد/ المختار الهراس/ رحمة بورقية و آخرون. كنت محظوظا فعلا لجلوسي أمام هؤلاء العظماء و أخد الحكمة منهم. تعلمنا حب الوطن و المعرفة و الناس. حصلت على الإجازة في علم الإجتماع لتبدأ رحلة أخرى لم تنته إلا عام 1998 عندما إلتحقت بالمدرسة العليا للأساتذة بمكناس. أخيرا فتح الوطن دراعيه و قبلني على جبيني و أمرني بتعليم التلاميذ أصول الحكمة. من الجنوب و إلى الجنوب دائما. اشتغلت في مدينة تازناخت (نواحي ورزازات). إنه المغرب العميق و الأصيل المنسي و المتروك هناك دون رعاية أو إهتمام. لم يكن التدريس كافيا لإنصاف هذه المنطقة؛ فقد كان من الضروري الصراخ عاليا من أجلها حتى يدرك العالم أن على تلك الأرض ما يستحق الحياة. أنجزت دراسات و كتبت أشعارا و روايات و رغم ذلك ما زال الصوت خافتا و ما زال الجنوب المنسي منسيا و مهملا. كانت الدراسة الأولى حول الهدر المدرسي. دراسة ميدانية. الدراسة الثانية حول الطفولة و المراهقة في الوسط القروي. ثم رواية جزيرة الذكور و بعدها الجزء الثاني رواية أسنان شيطان و البقية في الطريق إن كان هناك متسع للحياة أكثر.

" عاد إلى المحطة، حيث ترك كل ممتلكاته التي إنتزعها من الآخرين، الحذاء من الأخ و اللحاف بعض من جدائل شعر الأم، يقول إدريس ضاحكا: صنعت وسادتي من لحية أبي، كانت مريحة جدا أثناء النوم، فقط، لأنها لم تكن متعصبة. "

رواية جزيرة الذكور