” في جزيرة الذكور نلتقي ونتعارف وندرك أننا، جميعا، من وطن واحد، لكننا مختلفون.”ص: 21

في يوم من أيام ماي الدافئة، قررت وأنا بمقهى من مقاهي مراكش أن أزور عزيز بأگادير؛ هاتفته وأخبرني بأنه موجود فقلت له: إني قررت زيارتك. بعد ما يقرب من ثلاث ساعات كنا بين أحضان عاصمة سوس. التقينا بعد مدة قاربت عشرين سنة. تناولنا وجبة الغذاء، ثم لمقهى أول فآخر. وأثناء تناولنا وجبة الغذاء وجلوسنا في المقهى الأول والثاني، لم نضيع وقتا في مناقشة قضايا كبرى، وكان من بين مواضيع النقاش رواية “جزيرة الذكور” حيث قدمها إلي الصديق والأخ عزيز بنحدوش موقعا لي كلمة الإهداء، وليس ذلك بغريب، ولاسيما وأننا عشنا نحمل أعباء فكر منذ المرحلة الإعدادية والثانوية وما تلاهما …
عندما افترقنا، وعدت إلى مراكش؛ أتأبط الجزيرة بين الفينة والأخرى. فاعتبرتها كنزا من كنوز الأدب المغربي في الكتابة السردية.
ليست الجزيرة رواية عادية، من مثل ما هو مطروح، أو مما اطلعت عليه من السرد المليء بالفراغ، بل هي رواية تشكل عصارة تجربة استاذ في الفلسفة ينظر للقضايا بعين خاصة، وبمنظار خاص: فيلسوف متخصص في علم الاجتماع، يقول الاديب عزيز بنحدوش:” في جزيرة الذكور نلتقي ونتعارف وندرك أننا، جميعا، من وطن واحد، لكننا مختلفون.”ص: 21
إن هذه الرؤية تلخص دقة التصور من فيلسوف يقر بالاختلاف. هل نحاكم على قول إننا نختلف؟؟؟
” مازالت لم تمطر ، البحيرة جافة، لاشيء يؤكل غير الضعاف من الناس، كل شيء يؤكل عندما يكون ناضجا، قويا سمينا، ماعدا الإنسان يؤكل عندما يكون عظماً فقط.” ص: 70
أليس أكل الإنسان للإنسان قائما في وطن من حقنا أن نختلف فيه؟؟
” استيقظ في الصباح فلم يجد ما تبقى من ماء الحياة التي اشتراها بالأمس، قنينة جوزيف فارغة، لا أثر للماء على الأرض، عندها خجل كثيراً وقال: لقد دفعت الوطن لفعل الرذيلة. لكن عندما سأله واعتذر، ضحك الوطن وقال: لا بأس، وقتها عرف إدريس أن الوطن يحب الحياة.”ص:17
بقدر ما يحب الوطن الحياة، فمن حق المواطن أن يكون حياًّ، ومن حق الأديب أن يطرح:” كان هناك دائما مُتَّسَعٌ من الوقت للنسيان، للغفران وللاحسان”ص: 71
ليست رواية اليأس، ولكنها رواية الكشف عن الحقائق :” لم تعد البدايات مفتوحة على الضحك” ص: 108
أ ليس هذا التساؤل مشروعاً:” ومن المفروض أن يحب القاضي العدالة ” ص: 75
إن الجزيرة كشف وتساؤلات وطلب للبحث عن الذات بمنأى عن الضغط :” تأملوا ثم اخرجوا للبحث عن حقيقة ذواتكم. لا أحد يكون جبانا بمحض إرادته، لكنه قد يربى على الجبن والصراخ في صمت، الحب في صمت،وتريدون الحكي، لكن لا ألسنة لكم، هل أنتم فعلا ما تريدون؟ “ص:18
بأي مشيئة تتم محاكمة أستاذ أديب أبدع فأجاد؟
بأي مشيئة تتم محاكمة أديب لم ينطق عن الهوى بل صور واقعا تصويرا مبنيا على المنطق ؟
ستبقى أيها العزيز عزيزا، وستبقى رمز الابداع الحر، مهما خذلتك العدالة