مقالات
صحراء طائر الفينيق بقلم ذ.عزيز بنحدوش [نُشر في 01/04/2016، العدد: 15، ص(87)]جريدة الجديد/إنجلترا
يكتب الرّوائيّ في غالب الأحيان ليرسم عوالم جديدة انطلاقًا من عالمه المحدود الذي يفترض التجاوز ويستهدف التغيير، وهو يمارس هذا الطقس السّحري من أجل العبور والبوح والكشف عن تصوّرات جديدة لأشكال حياة ممكنة بعيدة عن الإرهاب والعنف والاستبداد، لأن الكتابة استشراف مستقبل وخريطة طريق موصلة إلى عوالم يكون فيها إشراق الحرية فعلا ممكنا
يُقال إن الرّوائيّ أو المبدع بشكل عام يحتاج إلى أرض ثابتة تحت قدميه حتى يكتب، لكن علينا أن نعترف أنه لا وجود للثبات وأن الكتابة ليس رفاهية، بل هي حاجة مطلوبة من أجل بلوغ حياة كريمة. كل الكتابات سواء في مجال الأدب أو الفلسفة أو العلم هي مساهمة في المعركة التي خاضتها الإنسانيّة، ومازالت تخوضها، ضد الجهل والفقر
نستهل القول على هذا النحو لتجاوز السؤال التالي: ما جدوى الكتابة في زمن الدّم والاستبداد السّياسي والتعصب الدّيني الذي تعيشه أوطاننا العربية بشكل عام وبدرجات متفاوتة؟
ما يهم من الفاعل هو فعله وأظن أن كل أفعالنا مؤطرة ضمن لاشعور بنيوي هو المتحكم والموجّه لكل إبداعاتنا
نشم رائحة الدّماء والجثث المتفحمة، نسمع دوي الانفجارات ونرى دخان الخراب يعلو كل الأمكنة. نلمس حرارة الأرض المحترقة ونتذوق طعم الهزائم، والرّوائيّ العربي ابن بيئته وهو مليء بالوجع والآلام التي لا تريد أن تنتهي.
لا يمكنه أن يغرّد خارج السرب، فإن قاوم كل المعوقات وكتب فلن يكتب إلا عن أنظمة فاسدة ومستبدة قتلت أحلام الناس وعن تعصب ديني جعل السجود لله لا يكون إلا على قبلة ملطخة بدماء الأبرياء وعن عنف يحاول أن يعتلي عرش الحوار ويقتل المعاني المنحوتة في العبارات تشتعل سوريا كل يوم أكثر وينفجر بركان الإرهاب، الذي خرج من صلب أنظمة فاسدة، أشدّ وأعمق وتمتد الشظايا لتبلغ كل الوطن العربي دون استثناء. أصبح الدّم الذي كان مقدسًا رخيصًا. هذا هو واقع المجتمعات العربية وهو المجال الذي يتحرّك فيه كل المواطنين سواء كانوا كتّابًا أو قرّاء أو أناسا عاديين
لا فرق بين هنا وهناك، هناك تنفجر القنابل وهنا يُضرب الطبيب والمهندس ويتم العبث برجل العلم وأحلام الناس والحكايات. لسنا كُتَّاب أدب بل نحن كتاب قضايا، والرّوائيّ قنطرة تعبر من خلاله الأحداث والوقائع. يُكتب بنا ولا نكتب. إن الكتابة دخان يسبقه احتراق ولا نريد أن يكون آخرها رمادا تعبث به الرياح، وحتى إن كان الأمر كذلك علينا أن نكون مثل طائر الفينيق، نحترق لنُبعث من رمادنا أكثر بهاءً وجمالًا وإلا سيجد الرّوائيّ نفسه محاطًا بصحراء من كل الجهات لا تنتج غير المزيد من الجفاف والتحجر والموت.